لا يزال الترقب سيد الموقف بشأن مصير الأمين العام لجماعة “حزب الله” اللبنانية حسن نصر الله، إثر الغارة التي قالت إسرائيل إنها استهدفت اجتماعاً لقادة الجماعة بالضاحية الجنوبية لبيروت في وقت سابق الجمعة، وإذا ما تأكدت “عملية الاغتيال”، سيكون الاستهداف الأول على هذا المستوى منذ اغتيال الزعيم السابق للجماعة عباس الموسوي عام 1992.
ومنذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، بعد هجوم حركة “حماس” في 7 أكتوبر الماضي، أعلن “حزب الله” إسناده للحركة الفلسطينية من خلال توجيه ضربات إلى الداخل الإسرائيلي، لتنفذ إسرائيل عمليات قصف واسعة أودت بحياة عدد كبير من قادة الجماعة، ما دفع نصر الله إلى التعهد بـ”الانتقام”، واصفاً ما يحدث بأنه “حرب كبرى”.
ورغم خسارة “حزب الله” لأبرز قادته في الأشهر الماضية، إلا أن استهداف زعيمه سيكون بمثابة “زلزال” بالنسبة للجماعة.
وُلد نصر الله في بيروت عام 1960، حيث نشأ وسط بيئة مليئة بالعنف الطائفي خلال الحرب الأهلية اللبنانية التي امتدت بين عامي (1975 و1990)، وانضم لفترة وجيزة إلى حركة “أمل” الشيعية في سن الـ15، قبل أن يُغادر للدراسة في إحدى المدارس الدينية بمدينة النجف العراقية، إلا أنه تعرّض للطرد مع طلاب لبنانيين آخرين عام 1978، عندما كان العراق تحت قبضة صدام حسين الذي كان نائباً للرئيس أحمد حسن البكر، قبل أن يستولي على السلطة بشكل نهائي عام 1979.
وتحت تأثير معلمه، رجل الدين البارز والمؤسس المشارك لـ”حزب الله” عباس الموسوي، الذي التقى به لأول مرة في العراق، انضم إلى الجماعة عام 1982 بعد غزو إسرائيل للبنان، عندما انفصلت المجموعة عن حركة ” أمل”. وبعد اغتيال إسرائيل للموسوي عام 1992، حل محله كأمين عام لحزب الله.
“السلاح هو الحل”
قاد نصر الله، البالغ من العمر 63 عاماً، “حزب الله” في فترة النصف الثاني من الاحتلال الإسرائيلي للبنان، والذي استمر رسمياً لمدة 15 عاماً في نهاية القرن العشرين.
وفي مقابلة أجراها مع صحيفة “واشنطن بوست” عام 2006، تحدث نصر الله عن الظروف التي أسهمت في تشكيل قناعاته ومعتقداته، بينما كان هو ورفاقه يشاهدون “ما يحدث في فلسطين، والضفة الغربية، وقطاع غزة، والجولان، وسيناء”، وإدراكه كما قال إنه “لا يمكن الاعتماد على دول الجامعة العربية، ولا على الأمم المتحدة.. والطريقة الوحيدة المتاحة للتحرير هي حمل السلاح ومحاربة قوات الاحتلال”.
يُعرف نصر الله بخطاباته الطويلة والحماسية، ولغته العربية الفصيحة. ويطلق عليه أتباعه لقب “سماحة السيد” أو “أبو هادي”، نسبةً لابنه الأكبر الذي لقي حتفه في اشتباكات مع القوات الإسرائيلية عام 1997.
خطاب “بنت جبيل”
في 26 مايو 2000، وصل الأمين العام لجماعة “حزب الله” إلى بلدة بنت جبيل اللبنانية الصغيرة على بعد بضع كيلومترات من الحدود مع إسرائيل.
وفي اليوم السابق، سحبت إسرائيل قواتها من جنوب لبنان بعد احتلال دام سنوات، حيث تعرضت لهجمات من “حزب الله” وجماعات أخرى. وتجمع الآلاف من المؤيدين هناك تحت الرايات الصفراء للحزب.
وألقى رجل الدين، الذي كان يبلغ من العمر آنذاك 39 عاماً، ويرتدي عمامته السوداء المعتادة ورداءه البني، أحد أشهر الخطب خلال زعامته لحزب الله.
وفي خطابه الموجه إلى العالم العربي والإسلامي والفلسطينيين، اعتبر نصر الله أن إسرائيل “أوهن من بيت العنكبوت”.
وشكلت الموضوعات التي تناولها ذلك اليوم عقيدة نصر الله في العقود التي تلت ذلك، إذ دمجت بين مفاهيم اللاهوت الشيعي و”خطاب التحرير”، مستنداً إلى الاعتقاد بأن المقاومة الحقيقية قادرة على التغلب على قوة عسكرية متفوقة كثيراً.
وبينما يتهمه خصومه في لبنان بالتبعية لإيران وخدمة مصالحها، لا يرى نصر الله أي حرج في ذلك، بل أعرب في أكثر من مناسبة عن اعتزازه بأنه “جندي في جيش ولاية الفقيه” في إشارة إلى المرشد الإيراني، ومنذ سنوات يتم تداول مقطع فيديو غير معروف التاريخ بدقة، لكنه على الأرجح يعود إلى ما قبل عام 2000، يوضح فيه نصر الله نظرته إلى لبنان، إذ يقول فيه إن “لبنان ليست سوى جزء من دولة إسلامية كبرى تقودها إيران. وحاكم هذه الدولة هو صاحب الزمان، وله نائب بالحق اسمه الإمام الخميني”.
وفي العام 2006، أعلن نصر الله “النصر الإلهي” وفق تعبيره، بعد حرب استمرت 34 يوماً مع إسرائيل، إثر خطف مقاتلي “حزب الله” جنديين إسرائيليين وإعلان مصرعهما لاحقاً، لتشن إسرائيل عملية قصف واسعة أودت بحياة مئات اللبنانيين، وأسفرت عن تدمير جزء كبير من البنية التحتية.
وفي مقابلة تلفزيونية أعقبت الحرب، ردَّ نصر الله على سؤال بشأن ما إذا كان سيتخذ قرار الحرب لو كان يعلم التداعيات بالقول: “لو كنت أعلم حجم الرد الإسرائيلي لما خطفنا الجنديين قطعاً”.
رحلة صعود وهبوط
حظي زعيم الجماعة الشيعية اللبنانية في فترة سابقة بشعبية جارفة في العالمين العربي والإسلامي، خاصة بعد انسحاب إسرائيل مطلع الألفية الثالثة من جنوب لبنان وانتهاء 22 عاماً من الاحتلال، إلا أن تلك الشعبية ما لبث أن تراجعت بعد انخراط “حزب الله” في الصراعات الداخلية اللبنانية، إذ شكّل سلاحه وانفراده باتخاذ قرارات الحرب خلافاً جذرياً مع العديد من التيارات السياسية.
وفي 14 فبراير 2005 وجهت أصابع الاتهام باغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري إلى “حزب الله” والحكومة السورية، إلا أن الجماعة وزعيمها رفضوا تلك الاتهامات، رغم توصل المحكمة الدولية التي تشكلت للتحقيق في القضية إلى نتائج تُثبت تورط قيادات تابعة للحزب في عملية الاغتيال.
وكانت ذروة الخلاف بين نصر الله وخصومه داخل لبنان في مايو عام 2008، عندما اقتحم عناصر “حزب الله” العاصمة بيروت بقوة السلاح، وأحرقوا مقرات تيار المستقبل ومؤسساته الصحافية، وخاضوا أيضاً مناوشات مسلحة في بعض مناطق جبل لبنان ضد مقاتلي الحزب التقدمي الاشتراكي، وذلك على خلفية قرار حكومي بشأن مصادرة شبكة الاتصالات التابعة للجماعة وإقالة قائد جهاز أمن مطار بيروت المقرب منها، ما اعتبره نصر الله بمثابة “إعلان حرب”، واستطاع مدفوعاً بفائض القوة إرضاخ كافة خصومه اللبنانين وإجبار الحكومة على التراجع عن قراراتها.
وبعد العام 2011، خفت بريق حسن نصر الله إلى حد كبير، لا سيما بعد تدخل الحزب عسكرياً في الصراع السوري إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد، حيث انخرط الآلاف من مقاتليه في معارك على طول البلاد وعرضها، وكان لهم دور بارز في استعادة مناطق عديدة من سيطرة فصائل المعارضة السورية.
وتطال “حزب الله” اتهامات بارتكاب انتهاكات في أكثر من منطقة سورية، لا سيما في ريف حمص وريف دمشق.
وفي رده على الانتقادات بشأن التدخل في الصراع السوري، كان حسن نصر الله يقول إن انخراط الحزب في تلك الحرب يُعد جزءاً من معركة تحرير فلسطين، وكثيراً ما اعتبر أن “طريق القدس” يمر عبر كافة المناطق السورية، وفي إحدى خطاباته قال: “إذا كان لدينا ألف مقاتل في سوريا، فسيصبحون 5 آلاف، وإذا لدينا 5 آلاف مقاتل سيصبحون 10 آلاف، وإذا احتاجت المعركة مع هؤلاء الإرهابيين أن أذهب أنا، وكل حزب الله إلى سوريا سنذهب”.
ومنذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 أكتوبر الماضي، أعلن نصر الله دخوله على الخط معلناً أنه يخوض هذه المعركة “إسناداً لغزة”، إذ تبادل “حزب الله” النار مع الجيش الإسرائيلي على امتداد الحدود بين البلدين في معركة تقترب من دخول عامها الثاني، ولكنها ربما تكون آخر معارك نصر الله إذا تبين أنه اغتيل في الغارة الإسرائيلية التي هزت مقر القيادة المركزية لجماعته في الضاحية الجنوبية، الجمعة.